فوائد مقتبسة من تفسير وتدبر الآية ١٥٣من سورة البقرة 🕌

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) نادى عباده المؤمنين بوصف الإيمان ، ومقتضى الإيمان أن تستجيب لأمر الرحمن وهو هنا الاستعانة بالصبر والصلاة على أمور الدنيا والآخرة ، فبعد أن جاء في الآية السابقة لهذه الآية أمر بالذكر والشكر بينت هذه الآية أن ذلك يتطلب قلباً وقالباً وثباتاً واستمراراً ولن يتأتى ذلك الا بالصبر والصلاة . والصبر مطلب لاسيما أن الإنسان يتعرض لكثير من الشواغل والقواطع والعقبات والصبر والشكر مع بعضهما يكونان الإيمان ،

💡فالإيمان نصفٌ صبر ونصفٌ شكر لأن العبد يتقلب في دنياه بين الشكر والصبر إما مبتلى فيصبر أو منعّم فيشكر والشكر يستلزم الصبر

💡والصبر للإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع الرأس هل يبقى للجسد نفع !!

📍ومن لا صبر له لا إيمان له !!

🔺وقد جاء الأمر بالصبر في القرآن والحث عليه في أكثر من ٩٠ موضعاً جمعها ابن القيم في ١٦ أسلوبا نذكر بعضها:
١/ أن يأتي الأمر بالصبر مباشرةً كما في هذه الآية ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) وفي آخر آل عمران ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)
٢/ أن يأتي بالنهي عن ضده ( ولا تهنوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون ) فالحزن والوهن ضد الصبر ، ( ولا تستعجل لهم ) الاستعجال ضد الصبر .
٣/ أنه أثنى على أهل الصبر ( الصابرين في البأساء والضراء)( الصابرين والصادقين والمنفقين المستغفرين في الأسحار)
٤/ أنه موجب لمعية الله الخاصة ( إن الله مع الصابرين ) وموجب لمحبة الله ( والله يحب الصابرين )
٥/ أنه رتب أحسن الجزاء للصابرين ( إنما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب )

🌵والصبر معناه: حبس النفس ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) وربط النفس على ماتكره. يقال مات صبرا: أي حبسا

📍ولا يتأتى الصبر للعبد ويتصف به إلا إذا كان صبراًلله و كان خلقاً له .

🔶أنواع الصبر في ذاته :
١/ صبرٌ بالله : وهو أن تستعين بالله موقناً بأنه هو وحده المصبّر وأنه لاحول لك ولاقوة إلا به مع التضرع والافتقار وسؤاله سبحانه أن يفرغ عليك الصبر، ومن يتصبّر يصبّره الله ( واصبر وما صبرك إلا بالله).
٢/ صبرٌلله : وهو أن يكون دافعك للصبر محبتك لله ورضاًبقدره وابتغاء وجهه لا طلباً لثناء الناس أو لمخاوف دنيوية (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ).
٣/ صبرٌ مع الله : فيكون العبد ملازماً للصبر في كل مايتقلب فيه من أحوال الله القدرية والشرعية ، بحيث يجعل نفسه وقفاً على مايحب الله في كل حال .

🔶أنواع الصبر من حيث مجالاته :
أولاً ➖الصبر عن المعصية : أن يبتعد عن مساخط الله مسافات فقد يترك المباح حتى لا يقترب من المعصية ،وتعظم درجة الصبر عن المعصية كلما كانت دواعي المعصية أشد والطرق إليها ممهدة أكثر . كما في قصة سيدنا يوسف عليه السلام فصبره عن الفاحشة التي دعته إليها امرأة العزيز كان أعظم من كل الابتلاءات وأصناف الظلم التي مرّبها.
❗وجميعنا لديه نقطة ضعف يعرفها!!
وكما قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله[هناك من يصبر عن أكل أموال الناس،ولكن لايصبر عن أكل لحومهم ]!!
وهناك من يسهل عليه الصيام والقيام ولكن لا يملك نفسه عند الغضب !!
( بل الإنسان على نفسه بصيرة ).

🔹والصبر عن المعصية له ثلاث درجات :
١- درجة الخوف من الله بأن يخاف من الوعيد والعقوبة المترتبة على المعصية ومن ذلك خوفه على نقص إيمانه .
٢- درجة الحياء من الله ، فحياؤه من الله عصمه من الوقوع في المعصية .
٣- ترك المعصية محبةً لله، لأن من شروط لا إله إلا الله المحبة .
💡والنفس لا تستحي ولا تحب إلا إذا عرفت الله معرفةً حقيقية بأسمائه وصفاته .

ثانياً➖الصبر على طاعة الله : ويكون في بداية الأمر حبسٌ للنفس على ما تكره ، فيصبرنفسه ويحبسها على طاعة الله وجميع مراضيه ، لأن الطاعات شاقةٌ على النفوس أكثر من ترك المعاصي فالطاعة فعل والمعصية ترك .
📌وتحقيق الصبر على الطاعة يكون بثلاثة أمور :
١- أن يصبر على عمل الطاعة بحيث يداوم ويستمر فلا ينقطع فأحب الأعمال إلى الله أدومها .
٢- الصبر على الإخلاص فيها وأن لا تتعرض هذه العبادة لشيء يحبطها أو ينقص أجرها مثل الرياء والعجب والمنّ حتى لوكان المنّ بالقلب وإن لم تنطق به !
٣- الاستمرار على تحسين هذه الطاعة واتقانها علماً وعملاً بالواجبات والسنن والمستحبات وتعلم كل مايزيدك رغبةً فيها .

📌من أشد أنواع الصبر على الطاعة الصبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد صنف بالركن السادس من أركان الإسلام وتتجلى فيه أهم المساءل الأربع الواجب تعلمها وهي : ١/العلم من معرفة الله تعالى ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم ومعرفة دين الإسلام بالأدلة . ٢/ العمل به . ٣/ الدعوة إليه . ٤/ الصبر على الأذى فيه . والدليل ( والعصر ◻إن الإنسان لفي خسر ◻إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )
فإذا أمرت بمعروف أو نهيت عن منكر ثمّ أوذيت وذلك هو الأغلب لقوله تعالى ( وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ) والصبر على الأذى في الله يعقبه لذة دائمة أبدية في جنّةعرضها السماوات والأرض يقول سبحانه في أول سورة العنكبوت ( ألم ◻أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفتنون ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين ) ثم مالبثت الآيات أن تذكر ذمّ الله لمن لم يصبر على الأذى في الدعوة إليه ( ومن النّاس من يقول آمنّا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة النّاس كعذاب الله ) لأن ذلك الألم اليسير الذي شعر به من أذية النّاس له جعله يتحاشى الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فترتب على ذلك حصول الألم بعذاب الله فألم المعصية أشد وسخط الله أشد وجهرك بالحق تعقبه لذة أبدية على مافيه من الألم الدنيوي الزائل .
💡فلا ترقي في الدرجات إلا بالصبر على الطاعات مع أنّ القلّة من النّاس من تتواصى به !! يقول صلى الله عليه وسلّم ( عبادة في الهرج كهجرة إلي )
ثالثاً➖الصبر على أقدار الله المؤلمة : وهو أخفّ أنواع الصبر ، فأغلب النّاس يحصرون الصبر فيه . وله ثلاث درجات :-
١- صبرٌ يستلزم من العبد إذا حلّت به المصيبة أو البلاء مع كرهه له أن يحبس نفسه عن الجزع وقلبه عن التسخط ولسانه عن الشكوى وجوارحه عن كل مايدل على عدم الصبر ، وهذا صبرٌ واجب ، فإن اعترض القلب ولو لم يتكلم وجب عليه أن يجاهد ذلك الشعور و إلا فهو آثمٌ قلبه معرّض للعقوبة .

٢-رضا العبد بما قدر الله عليه من البلاء وهو ارتقاءٌ من درجة الصبر الواجب إلى الرضا المستحب فهو لا يتحسر ولا يتألم قلبه منشأ ذلك رضاه عن اختيار الله له ، فرضاه عن ربه جعله صاحب نفس مطمئنّة ( يا أيتها النفس المطمئنّة ارجعي إلى ربّك راضيةً مرضيّة ) فسواءً أعطاك الله أم أخذ منك ففي كلا الحالتين تحمد الله وتثني عليه بقلبك ولسانك وهذا حاله أعلى من حال الصابر .
٣- شكر العبد لله على البلاء المكروه فيرى ذلك الابتلاء وتلك المصيبة عين النعمة التي تستحق أن يشكر الله عليها ، لما ينتظره من الثواب إن شكر وهي أعلى حالات التعامل مع المصيبة .

⏳ولتحقيق ذلك لابد من مجاهدة النفس والزامهابأمور منها:-
١- العلم اليقيني التام أنّ من قدّر هذا القدر عطاءً أو منعاً هو الله وأن كل ماحولي هي أسباب إن شاء الله نفعت وإن لم يشأ لم تنفع وليس الشأن في السبب بل في اليقين برب السبب .
٢- أن الله الذي قدّر علي تلك المصيبة ، وصفه أنه كامل الصفات فكلما زاد علمي بأسماء الله وصفاته زاد لدي اليقين والرضا باختيار الله الكامل لي وتقديره الذي جرى علي وبذلك ينتقل الإنسان من مرحلة الصبر إلى مرحلة الرضا
. ٣- أنّ هذه المصيبة كانت مكتوبة علي في أم الكتاب فإذا وقعت استرحت منها أو من بعضها وهذه نعمة .
٤- التفكر وتلمّس مواطن الخيرة والتربية الرّبانيّة لي،وكل الأقدار الصغيرة والكبيرة هي تجريدٌ لتوحيد الله ومدى الإنقياد له فهو يربينا بكل شيء يقدره علينا فتسلم قلوبنا ونصل إليه بقلوب سليمة .
٥- ما أصابني الله به هو خيرٌ لي ويكفّر عنّي سيئاتي وتحصل به الصلوات والرحمة والهداية والمعية الخاصّة من الله لي ويرفع لي بها الدرجات ( إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب ) فثواب المصيبة أكبر من المصيبة.
٦- أن أحمد الله أنها ليست في ديني وليست بأعظم منها فالبلاء نعمة .
٧- الموازنة والمقارنة بأنّ ما ابتلاك الله به لا يساوي سنوات وسنوات من النعم فترضى وتشكر الله حينئذ.

🕌(والصلاة ): كيف تكون الصلاة عون وزاد للصبر حتى يقوى ولا يضعف ؟؟ صفة تلك الصلاة أن يكون القلب فيها مستشعراًلفقره وخاشعاً وخاضعاً في وقوفه أمام ربه فإذا اجتهد ان يجمع فيها واجباتها ومستحباتها مع حضور القلب كانت لك عوناً من الله فهو وحده القادرٌ على أن يصبرّك ويصرف عنك ماتكره .
ولماذا خصّ الصلاة؟؟ لأن الصلاة هي الصلة بين العبد وربه فإذا نهتك عن الفحشاء والمنكر أعانتك على كل مايستلزم الصبر من أمور الدنيا والآخرة . تبدأ فيها بتكبيرة الإحرام ، والتي تعني أنّ الله أكبر من كل ماسواه من علائق الدنيا ومصائبها ثم تستفتح بما صح من أدعية الاستفتاح والتي يظهر فيها كمال الافتقار إلى ماعند الله وطلب المعونة منه ثم تقرأ الفاتحة مبتدأً فيها بالحمد وهو الثناء على الله بماهو أهله مقروناً بالمحبة والإجلال والتعظيم ، ثمّ تناجي ربّك ب ( إياك نعبد وإياك نستعين ) التي يقول عنها ابن القيم :- سر الخلق والأمر والكتب والشرائع والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين ، وعليهما مدار العبودية والتوحيد حتى قيل : أنزل الله ١٠٤كتب جمع معانيها في القرآن ، وجمع معاني القرآن في المفصّل ، وجمع معاني المفصّل في الفاتحة ، وجمع معاني الفاتحة في ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وهاتان الكلمتان مقسومتان بين الرّب وعبده نصفين فنصفهما له تعالى وهو (إياك نعبد) ونصفهما لعبده وهو (إياك نستعين )
وماهذه الابتلاءات مهما صغرت أوعظمت و التي تمر عليك على مدار يومك وحياتك ، إلا ليختبر الله بها قوة استعانتك، وكلما كان العبد أكثر استعانة بربه كانت عبادته أكمل وكلما كان القلب حاضراً متيقظاً في العبادة كان العون له من الله أعظم وفتح الله عليه فتوحا لا تدركها قدراته. ثمّ ركوعك الذي تعظّم فيه ربك بتسبيحك باسمه العظيم ثمّ السجود الذي تتحقق فيه الإعانة على كل ضيق (ولقد نعلم أنّك يضيق صدرك بما يقولون◻ فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين◻ واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين ) فنحن نختبر بقوة استعانتنا بالله لا بما أوتينا من قوة ومن إمكانيات وقدرات.
📍وكمال العون من الله نتيجة لقوة الافتقار والذل لله. (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) تربية من الله للصحابة !! ( يا أيها النّاس أنتم الفقراء إلى الله ) لاتحصر الفقر في المال بل افتقار في كل شيء.

🕌(إنّ الله مع الصابرين ): المعية معيتان : ١-عامة لكل الخلق . ٢- خاصة وهي المقصودة هنا، فمن كان الصبر خلقاً له وصفة من صفاته ورأى منه جهاداً واجتهاداًفإنّ الله معه بالتوفيق وبالهداية والتسديد والمحبّة ( ومن يتصبر يصبّره الله ) وكفى بهذه المعية الخاصة عوناً على الصبر وبلسماً للقلوب وزاداً يقوي ويثبت ويحول بين يأس الروح وقنوطها .

💡ومن كان الله معه فماذا فقد ولو فقد الدنيا بحذافيرها .
والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله 🌴
أ. فاطمة الجربوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.