د. علي الصلابي.
كنت اقرأ سورة الرحمن يوما ما، فسمعني رجل كبير .
فقال لى معلومة جعلتنى أشعر إني أقرأ سورة الرحمن لأول مرة وكأني لم أقرأها من قبل .
هذا الرجل الكبير سألني سؤالا فقال :
الله جل وعز يقول في الآية ٤٦ ( ولمن خاف مقام ربه جنتان )
ويقول في الآية رقم ٦٢ ( ومن دونهما جنتان )
فهذا يعني أن هناك أربع جنان ينقسمان اثنين اثنين. فما الفرق بينهما ؟
فقلت : لا أعرف.
قال : سوف أوضح لك.
وهنا كانت الصدمة أن هناك فرقا شاسعا بينهما.
حتى يميز ” الذى يخاف مقام ربه ”
فأعيروني قلوبكم وأسماعكم يرحمكم الله .
وسوف تشعرون بسعادة وقشعريرة تسري فى أجسادكم عندما تشعرون بما شعرت به ) .
هيا بنا نبدأ :
١- إن الجنتين الأفضل هما للمُتقي الذى يخاف ربه.
٢- وهما ( ذواتا أفنان ) اى تحتوي على شجر كثيف يتخلله الضوء، وهذا منظر بديع جميل يسر النفس والقلب.
والجنتان الأقل منهما ( مدهامتان ) أي تحتوي على شجر كثيف جدا ولكن لا يتخلله ضوء ،أي أن هناك ظل كامل، فالمنظر أقل جمالا.
٣- الجنتان للمُتقي ( فيهما عينان تجريان ) وماء العيون الجارية هو أنقى ماء ولا يتعكر لأنه يجري.
والجنتان الأقل منهما ( فيهما عينان نضاختان ) أي فوارتان، يعني ماء يفور ويخرج من العين لكنه لا يجري. وطبعا قد تتصف العينان اللتان تجريان أنها أيضا نضاختان وفوارتان، لكن لا يجوز العكس، أي أن النضاختين لا تجريان. ٤- الجنتان للمُتقي ( فيهما من كل فاكهة زوجان )، أي نوعان: رطب ويابس، لا ينقص هذا عن ذلك فى الطيب والحسن،
والجنتان الأقل منهما ( فيهما فاكهة ونخل ورمان ) يعنى نوع واحد ، وهو فى المتعة أقل .
٥- الجنتان للمُتقي ( متكئين على فُرش بطائنها من أستبرق وجنى الجنتين دان )
تخيل أن هذا وصف البطائن فما بالك بالظواهر ، وقد جاء عن النبى ﷺ أنه قال : ظواهرها نور يتلألأ.
٦ -الشجر يدنو من ولي الله فيها وهو مضطجع يقطف منها جناها . تخيل العظمة أن الشجر يأتى لمكانك وأنت مضطجع تختار وتقطف من ثماره.
أما الجنتان الأقل منهما ( متكئين على رفرف خضر وعبقرى حسان ) وصف الظاهر فلا تعرف عن الباطن شيئا ، وهو أقل من وصف الباطن وترك الظاهر مبهما.
لكن ماذا عسى أن يكون الظاهر والباطنُ من استبرق ؟
٧- الجنتان للمُتقي ( فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جان ) نساء قاصرات الطرف ( على وزن فاعلات ) بإرادتهن أي لم ينظروا إلى رجل من قبل وهو غاية العفة .
– والجنتان الأقل منهما ( حورٌ مقصورات فى الخيام )
ركز معي هن مقصورات وليس قاصرات ( كفرق بين فاعل بإرادته ومفعول به رغما عنه ) . تخيل الفرق ؟
٧- والأبدع من هذا كله والشئ الذي سوف يجعلك تقشعر عندما تسمعه
إن الله سبحانه وتعالى رتب هذا بشكل عجيب حيث جعل الترتيب لما تشتهيه النفس ( هذا كله للمتقي ) فى وصفه فى الآيات . فاسمع واستشعر معي .
عندما تدخل الحديقة التى يتخلل أغصانها الضوء ( ذواتا أفنان ) وترى بعينك العينين اللتين تجريان ( فيهما عينان تجريان ) ثم ترى الفاكهة التى من أثر العينان اللتان تجريان
( فيهما من كل فاكهة زوجان ) وتقطف منها ما تشاء وتأكل ، سوف تحتاج للراحة فكان الفراش حتى تستريح بعد الطعام ( متكئين على فُرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين دان ) وقد أعطى لك الحرية فى الاختيار أن الطعام من الممكن أن يأتيك إلى فراشك لو اشتهيت أي شيء وأنت مضطجع في فراشك وهذا تمام الراحة ،
٨- وعندما تحدث عن الفراش ، وصف بعده شريك الفراش الذي تميل إليه النفس وتشتهيه وهما: ( قاصرات الطرف ) .
ولو راجعت الجنتين الأقل سوف تجد ترتيبا أيضا ولكنه ترتيب أقل، وليس بنفس الروعة.
تخيل كل هذا من اجل المُتقي فقط.
إن صاحب الجنتين الأقل قد عمل أعمالا صالحة ، لكنه في الخلوات أحيانا قد يعصى الله جل وعلا ظنا منه أن لا أحد من الناس يراه.
فلك أن تتخيل أن ذنوب الخلوات جعلت الفرق الشاسع بينهما فى الجنة.
انتبه لخلواتك.
فسيئاتك في الخلا تنسف حسناتك في الملأ.
” فإذا اسْتَوَتْ سريرة العبد وعلانيته ؛ قال الله عزَّ وجلَّ : هذا عبدي حقًّا ”
*يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ*
فمن ساءت سريرته كان بمثابة نصف عبد.
” أجمع العارفون بالله أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات ”
فكن من المتقين وحافظ على خلواتك .