الله يتقبل منكم جميعا
وشكرا لمشاركتكم
كل مقالات athkarya
كيف ومتى توفي الرسول صلى الله عليه وسلم
احتضار النبيّ ووفاته
بدأ احتضار النبيّ حين اشتداد ضحى يوم الاثنين، وكان بجوار عائشة -رضي الله عنها- فأسندته إليها، وكان موته في بيتها، وفي حِجرها، وعند اشتداد سكرات الموت عليه أقرّ أنّ للموت سكراتٍ، فرفع إصبعه وشَخِص بصره للأعلى، وسمعت عائشة منه كلماتٍ فأصغت إليه، وإذ به يقول: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وارْحَمْنِي وأَلْحِقْنِي بالرَّفِيقِ)،وقد كرّرها ثلاثاً قبل أن يلتحق بالرفيق الأعلى.
تاريخ ومكان وفاة النبي تُوفّي النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأوّل،
في العام الحادي عشر للهجرة، أي ما يوافق العام 633 ميلادي من شهر يونيو،
وكان له -صلّى الله عليه وسلّم- من العُمر ثلاثة وستون عاماً، وقد خُلِّد موته علامةً من أشراط الساعة، ودليل ذلك ما رواه الإمام البخاريّ عن عوف بن مالك الأشجعيّ أنّه قال: (أَتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وهو في قُبَّةٍ مِن أَدَمٍ، فَقالَ: اعْدُدْ سِتًّا بيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي…)
وكانت وفاة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في المدينة المنورة، في حُجرة السيدة عائشة -رضي الله عنها-، بل جاء بالخبر الصحيح أنّه قُبض -عليه الصلاة والسلام- ورأسه على فخذ عائشة رضي الله عنها. تغسيل النبي ودفنه صفة غسله وكفنه غسّل النبيَّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعد وفاته أهلُ بيته، وعُصبته من بني هاشم، وهم: ابن عمّه علي بن أبي طالب، وعمّه العبّاس مع ابنَيه: الفضل، وقثم، وأسامة بن زيد، وشقران مولى النبيّ -رضي الله عنهم جميعاً-، وتمّ تغسيله، وثيابه عليه، ولم تُنزَع عنه، فقد رُوِي عن السيّدة عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (لمَّا أرادوا غسلَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالوا: واللَّهِ ما ندري أنُجرِّدُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ من ثيابِهِ كما نجرِّدُ مَوتانا، أم نَغسلُهُ وعلَيهِ ثيابُهُ؟ فلمَّا اختَلفوا ألقى اللَّهُ عليهمُ النَّومَ حتَّى ما منهم رجلٌ إلَّا وذقنُهُ في صَدرِهِ، ثمَّ كلَّمَهُم مُكَلِّمٌ من ناحيةِ البيتِ لا يَدرونَ من هوَ: أن اغسِلوا النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وعلَيهِ ثيابُهُ)،
وباشر عليّ غسلَ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وحده، وأسنده إلى صدره، وكان يقول وهو يُغسّله: “ما أطيبك يا رسول الله حيّاً وميتاً”، أمّا العبّاس وابناه: الفضل، وقثم فكانوا يُقلّبون النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وكان أسامة وشقران يصبّان الماء، وشَهد الغسل أوس بن خولي من بني عمرو بن عوف من الخزرج؛ فقد طلب ذلك من عليّ فأذن له، وتمّ تكفين النبيّ -صلّى الله عله وسلّم- بثلاثة أثوابٍ من القطن دون نزع ثيابه عنه -كما سبق الذِّكر-.
الصلاة على النبيّ ودفنه بعد أن انتهى الصحابة -رضي الله عنهم- من تغسيل النبيّ -صلى الله عليه وسلّم-، وتكفينه، وضعوه في بيته على سريره؛ ليُصلّى عليه، وقد صلّى عليه المسلمون فُرادى من غير إمامٍ يؤمّهم؛ بحيث تدخل جماعةٌ من الناس تصلّي عليه وتخرج، فصلّى عليه الرجال، ثمّ النساء، ثمّ الصبيان،وقد دُفِن النبيّ في مكان فراشه في المكان الذي قبض الله فيه روحه الطاهرة،
وتمّ إدخال النبيّ إلى القبر من جهة القبلة، وجُعِل قبره مُسطَّحاً غير بارزٍ، ورشّ بلال بن رباح -رضي الله عنه- الماء على قبره ابتداءً بالشقّ الأيمن لرأس النبيّ الكريم، وانتهاءً بقدميه الشريفتَين، وكان الدفن ليلة الأربعاء، وقد نزل في قبره: علي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، وأخوه قثم، وشقران مولى النبي، وقيل أسامة بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، فكانوا هم من دفنوا النبي.
مرض النبيّ لمّا بدأ مرض النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أصابه صُداعٌ شديدٌ في رأسه وهو عائدٌ من جنازةٍ كانت في البقيع، حتى إنّه وضع عصابةً على رأسه من شدّة الألم، وحينما اشتدّ به الألم استأذن أزواجه أن يقضي فترة مرضه عند عائشة، فأخذه الفضل بن عباس وعلي بن أبي طالب إلى حجرتها، وقبل خمسة أيّام من وفاته ارتفعت حرارة جسده، وتفاقمت حالته الصحّية، وبعد مدّةٍ وجد تحسُّناً في جسده، فدخل المسجد وعلى رأسه عصابة، وخطب بالناس وهو جالسٌ على منبره، وصلّى بهم الظهر.
وقد صلّى النبيّ بالمسلمين الصلوات جميعها حتى يوم الخميس قبل وفاته بأربعة أيّامٍ، ولمّا حضرت صلاة عشاء الخميس اشتدّ المرض عليه، فسأل عن صلاة الناس مراراً بعدما غُمي عليه، فأخبروه أنّهم ينتظرونه، ثمّ أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس، حيث قالت عائشة -رضي الله عنها-: (ثَقُلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: أصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، قَالَ: ضَعُوا لي مَاءً في المِخْضَبِ، قَالَتْ: فَفَعَلْنَا، فَاغْتَسَلَ، فَذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عليه، ثُمَّ أفَاقَ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يا رَسولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعُوا لي مَاءً في المِخْضَبِ قَالَتْ: فَقَعَدَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عليه، ثُمَّ أفَاقَ، فَقَالَ: أصَلَّى النَّاسُ؟ قُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يا رَسولَ اللَّهِ، فَقَالَ: ضَعُوا لي مَاءً في المِخْضَبِ، فَقَعَدَ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَنُوءَ فَأُغْمِيَ عليه، ثُمَّ أفَاقَ فَقَالَ: أصَلَّى النَّاسُ؟ فَقُلْنَا: لَا، هُمْ يَنْتَظِرُونَكَ يا رَسولَ اللَّهِ، والنَّاسُ عُكُوفٌ في المَسْجِدِ، يَنْتَظِرُونَ النبيَّ عليه السَّلَامُ لِصَلَاةِ العِشَاءِ الآخِرَةِ، فأرْسَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أبِي بَكْرٍ بأَنْ يُصَلِّيَ بالنَّاسِ، فأتَاهُ الرَّسُولُ فَقَالَ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأْمُرُكَ أنْ تُصَلِّيَ بالنَّاسِ، فَقَالَ أبو بَكْرٍ -وكانَ رَجُلًا رَقِيقًا-: يا عُمَرُ صَلِّ بالنَّاسِ، فَقَالَ له عُمَرُ: أنْتَ أحَقُّ بذلكَ، فَصَلَّى أبو بَكْرٍ تِلكَ الأيَّامَ)،
وقبل يومَين من وفاته كان النبيّ قد وجد تحسُّنًا في جسده، فخرج إلى المسجد، وكان أبو بكرٍ -رضي الله عنه- يُصلّي بالناس، فلمّا رآه أبو بكرٍ قدّمه للإمامة بالمسلمين، فأشار إليه النبيّ بألّا يتأخّر، وقد صلّى أبو بكرٍ سبع عشرة صلاة في حياة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.
الساعات الأخيرة من حياة النبي صوّرت الساعات الأخيرة التي سبقت وفاة أعظم البشر مواقف حاسمةً للغاية؛ أوّلها عندما كان المسلمون يصلّون صبيحة فجر يوم الاثنين وكان إمامهم أبو بكرٍ، فحلّت إطلالةٌ من وجه النبيّ عليهم بعدما كشف ستارة حجرة عائشة، وتبسّم بشدّةٍ، وثانيها عند ارتفاع شمس الضحى، إذ أمر النبيّ بحضور ابنته فاطمة -رضي الله عنها- إليه، وأسرّ إليها فبكت، ثمّ أسرّ إليها أخرى فضحكت؛ فكانت الأولى إخبارها بأنّه سينتقل إلى الرفيق الأعلى، أمّا الثانية فقد أخبرها بأنّها أوّل أهل بيته لحاقاً به، وبأنّها سيّدة نساء العالَمين، وثالثها دعوته للحسين والحسن، وتقبيلهما، وتوصيته بهما حُسناً، ورابعها دعوته لنسائه، ووعظهنّ.
علامات اقتراب أجل النبي دلّت بعض العلامات على اقتراب أجل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، يُذكَر منها: ما روته عائشة -رضي الله عنها- من قول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لابنته فاطمة -رضي الله عنها- عندما جاءت إليه، وأجلسها إلى جانبه، حيث قالت: (إنَّا كُنَّا أزْوَاجَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عِنْدَهُ جَمِيعًا، لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا واحِدَةٌ، فأقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ تَمْشِي، لا واللَّهِ ما تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِن مِشْيَةِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: مَرْحَبًا بابْنَتي ثُمَّ أجْلَسَهَا عن يَمِينِهِ أوْ عن شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هي تَضْحَكُ، فَقُلتُ لَهَا أنَا مِن بَيْنِ نِسَائِهِ: خَصَّكِ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالسِّرِّ مِن بَيْنِنَا، ثُمَّ أنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَأَلْتُهَا: عَمَّا سَارَّكِ؟ قَالَتْ: ما كُنْتُ لِأُفْشِيَ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، قُلتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بما لي عَلَيْكِ مِنَ الحَقِّ لَمَّا أخْبَرْتِنِي، قَالَتْ: أمَّا الآنَ فَنَعَمْ، فأخْبَرَتْنِي، قَالَتْ: أمَّا حِينَ سَارَّنِي في الأمْرِ الأوَّلِ، فإنَّه أخْبَرَنِي: أنَّ جِبْرِيلَ كانَ يُعَارِضُهُ بالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وإنَّه قدْ عَارَضَنِي به العَامَ مَرَّتَيْنِ، ولَا أرَى الأجَلَ إلَّا قَدِ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ واصْبِرِي، فإنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أنَا لَكِ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الذي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: يا فَاطِمَةُ، ألَا تَرْضَيْنَ أنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ المُؤْمِنِينَ، أوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هذِه الأُمَّةِ).
ما رآه العبّاس -رضي الله عنه- في رؤيا يُشير تفسيرها كما أخبره النبيّ إلى قُرب وفاته. حديث النبيّ مع معاذ بن جبل حينما بعثه إلى اليمن، فأخبره بما يدلّ على اقتراب أجله، إذ قال: (يا معاذُ إنَّك عسى ألَّا تَلقاني بعدَ عامي هذا لعلَّك أنْ تمُرَّ بمسجدي وقبري).
ما رواه العرباض بن سارية من حديث النبيّ بقوله: (صلّى بنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذاتَ يومٍ، ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظةً بليغةً، ذرفت منها العيون، ووجِلت منها القلوبُ، فقال قائلٌ : يا رسولَ اللهِ كأنّ هذه موعظةُ مُودِّعٍ، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: أوصيكم بتقوى اللهِ والسمعِ والطاعةِ…).
وصايا النبيّ قبل وفاته أوصى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أمّته قبل أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى بعدّة وصايا، يُذكَر منها:
الوصيّة بالأنصار: من شدّة حبّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- للأنصار أن أوصى بهم في آخر أيّامه حين اشتدّ به مرضه، رُوي عن الصحابيّ الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (مَرَّ أبو بَكْرٍ، والعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، بمَجْلِسٍ مِن مَجَالِسِ الأنْصَارِ وهُمْ يَبْكُونَ، فَقالَ: ما يُبْكِيكُمْ؟ قالوا: ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَّا، فَدَخَلَ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فأخْبَرَهُ بذلكَ، قالَ: فَخَرَجَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقدْ عَصَبَ علَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ، قالَ: فَصَعِدَ المِنْبَرَ، ولَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذلكَ اليَومِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عليه، ثُمَّ قالَ: أُوصِيكُمْ بالأنْصَارِ، فإنَّهُمْ كَرِشِي وعَيْبَتِي، وقدْ قَضَوُا الذي عليهم، وبَقِيَ الذي لهمْ، فَاقْبَلُوا مِن مُحْسِنِهِمْ، وتَجَاوَزُوا عن مُسِيئِهِمْ).
الوصيّة بإخراج المشركين من جزيرة العرب: فمن شدّة حرص النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على أمّته أن كتب كتاباً مُفصّلاً وهو في شدّة مَرضه؛ لِئلّا تَضِلّ أمّته من بعده؛ فأوصى أصحابه بثلاث وصايا كان منها إخراج المشركين من جزيرة العرب، قال عبدالله بن عبّاس -رضي الله عنهما-: (اشْتَدَّ برَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وجَعُهُ يَومَ الخَمِيسِ، فَقَالَ: ائْتُونِي بكِتَابٍ أكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أبَدًا، فَتَنَازَعُوا، ولَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، فَقالوا: هَجَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ: دَعُونِي، فَالَّذِي أنَا فيه خَيْرٌ ممَّا تَدْعُونِي إلَيْهِ، وأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بثَلَاثٍ: أخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ، وأَجِيزُوا الوَفْدَ بنَحْوِ ما كُنْتُ أُجِيزُهُمْ).
النهي عن اتِّخاذ مسجده قبراً: فقد نهى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن اتِّخاذ قبره مسجداً، وكانت وصيّته هذه من آخر ما تكلّم به قبل وفاته، حيث قال: (قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ).
الوصيّة بإحسان الظنّ بالله: أوصى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عباده قبل مماته بالحرص على حُسن الظنّ بالله، حيث قال جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: (سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قَبْلَ وَفَاتِهِ بثَلَاثٍ يقولُ: لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهو يُحْسِنُ باللَّهِ الظَّنَّ).
الوصية بالصلاة: أوصى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وهو في شدّة مرضه بالصلاة، حيث قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (كانَت عامَّةُ وصيَّةِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ حينَ حضَرتهُ الوفاةُ وَهوَ يُغَرْغرُ بنفسِهِ الصَّلاةَ وما ملَكَت أيمانُكُم).
انتهاء مُبشِّرات النبوّة إلّا الرؤيا: بيّنت السيرة النبويّة عدم بقاء شيءٍ من مُبشِّرات النبوّة إلّا الرؤيا، حيث قال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: (كَشَفَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ السِّتْرَ ورَأْسُهُ مَعْصُوبٌ في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فِيهِ، فَقالَ: اللَّهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، إنَّه لَمْ يَبْقَ مِن مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا يَرَاهَا العَبْدُ الصَّالِحُ، أوْ تُرَى له).
حال المسلمين بعد وفاة النبيّ فُجِع المسلمون بوفاة النبيّ، فكان فقده سبباً في ألمٍ حلّ بهم، وظهرت مشاعر الحزن جليّةً في عبارة فاطمة -رضي الله عنها- حين قالت: “يا أنَسُ أطَابَتْ أنْفُسُكُمْ أنْ تَحْثُوا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ التُّرَابَ”، وقد ذُهِل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بساعة موت الرسول فتوعّد كلّ من قال أنّ محمّداً قد مات بقَطع رأسه، وقال: “إنّه غاب عن قومه كما غاب موسى لملاقاة ربّه”، فصدح الصدّيق -رضي الله عنه- بعمر، وقام خطيباً في الناس وقال بعد أن أثنى على الله وحمده: “من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيٌّ لا يموت”، ثمّ تلا عليهم قول الله -تعالى-: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ)،[٣١] فأبدى الصدّيق شجاعةً لا مثيل لها، وكان سبباً في تهدئة رَوع المسلمين وما حلّ بهم بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام
اعتكاف الرسول صلى الله عليه وسلم
حرص النبيّ على سُنّة الاعتكاف
يُراد بالاعتكاف؛ طُوْل المُكث واللبث في المسجد، وعدم الخروج منه إلّا لضرورةٍ أو حاجةٍ ما، وانشغال العبد بما يحقّق له القُرب من الله -تعالى-؛ بالعبادات والطاعات، كالصلاة، والاستغفار، والذِّكر، وقراءة القرآن، والتسبيح، وبذلك يغتنم المسلم وقته في التقرُّب من الله -سبحانه-، مُقتدياً في ذلك بالنبيّ -عليه الصلاة والسلام-؛ إذ كان شديد الحرص على الاعتكاف، والخُلوة بالنفس؛ عبادةً وقُرباً من الله -سبحانه-، وممّا يدلّ على حِرصه ما رُوِي عن أنّه ترك ذات مرّةٍ الاعتكاف في العشر الأواخر من شهر رمضان؛ لعارضٍ ما، فقضاه في العشر الأوائل من شهر شوّال.
اعتكاف الرسول في رمضان
كان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يعتكف في شهر رمضان المبارك، وخاصّةً في العشر الأواخر منه، كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: (أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ)؛والسبب في ذلك التماس ليلة القدر، كما رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُجَاوِرُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ ويقولُ: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ).
كيفيّة اعتكاف
الرسول في رمضان كان النبيّ -عليه الصلاة والسلام- يلتزم بالمكان الذي خصّصه للعبادة، ويتعبّد لله -تعالى- بمختلف العبادات والطاعات، كالصلاة، وتلاوة القرآن، والذِّكر، وكان لا يتحدّث مع أحدٍ إلّا لحاجةٍ أو ضرورةٍ، وكذلك لم يدخل أيّ حُجرةٍ لزوجاته إلّا لحاجةٍ ما.
كما أنّه -عليه الصلاة والسلام- كان يحافظ على نظافته؛ فعن السيّدة عائشة -رضي الله عنها- أنّها: (كَانَتْ تُرَجِّلُ، تَعْنِي رَأْسَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهي حَائِضٌ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ في المَسْجِدِ).
وقت اعتكاف الرسول في رمضان ومدّته
واظب النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على الاعتكاف في شهر رمضان، وحثّ صحابته -رضي الله عنهم-، وزوجاته -رضي الله عنهنّ- عليه، بدليل ما رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أزْوَاجُهُ مِن بَعْدِهِ)،ولم تُحدَّد العشر الأواخر فقط؛ إذ ورد أنّه اعتكف في العشر الوُسطى؛ بدليل ما رُوي عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَعْتَكِفُ في العَشْرِ الأوْسَطِ مِن رَمَضَانَ)، كما رُوي أنّ النبيّ اعتكف ذات مرّةٍ عشرين يوماً، وكان ذلك قبل وفاته؛ بدليل ما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (فَلَمَّا كانَ العَامُ الذي قُبِضَ فيه اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا). وعُلِّل اعتكاف النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم عشرين يوماً قبل وفاته بعدّة أسبابٍ، منها: أنّه كان يتدارس القرآن مع جبريل -عليه السلام- مرّةً كلّ عامٍ، و قد تدارساه في العام الذي قُبِض فيه مرّتَين، فلزم ذلك الاعتكاف عشرين يوماً، وقِيل لأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- كان قد أحسّ باقتراب أَجَلِه، فرَغِبَ في الاستكثار من العبادات، والأعمال الصالحة، وقِيل إنّه اعتكف عشرين يوماً؛ شُكراً الله -سبحانه- على ما أنعم به عليه، وبما فضّله به، وكان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- يبدأ اعتكافه ويدخل مُعتكَفَه بعد صلاة الفجر كما رُوي عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا أرادَ أن يعتَكِفَ صلَّى الفجرَ ثمَّ دخلَ معتَكَفَهُ).
مكان اعتكاف الرسول في رمضان
اتّخذ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من المسجد مكاناً للاعتكاف، ولم يعتكف في أيّ حُجرةٍ من حُجراته، على الرغم من قُربها ولحوقها بالمسجد، بل جعل مكاناً خاصّاً له في المسجد للاعتكاف؛ ودليل ما سبق ما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه من أنّ أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كَانَتْ تُرَجِّلُ، تَعْنِي رَأْسَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهي حَائِضٌ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ في المَسْجِدِ) -وهو الحديث الذي ورد سابقاً-.
أهميّة الاعتكاف
يحرص المسلم على اتّباع سُنّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وانتهاجها؛ لما يترتّب على ذلك من الأجر العظيم، قال الله -تعالى-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ومن السُّنَن الواردة عن النبيّ الاعتكاف، والذي يترتّب عليه العديد من الثمار، بيان البعض منها فيما يأتي:
تدريب النفس وتربيتها على حُسْن استغلال الأوقات، والاستفادة منها بما يُرضي الله -تعالى-، وعلى الإخلاص في العبادة له، والابتعاد عن الرِّياء.
الابتعاد عن مشاغل الحياة، وهمومها، والتخلُّص من بعض العادات السيّئة، ككثرة الكلام، أو النوم، أو الطعام، وغير ذلك من العادات السيّئة.
التقرُّب من الله -تعالى-، والإقبال عليه بالأعمال الصالحة، والتفكُّر بما بثّه في الكون والتأمُّل فيه.
الابتعاد عن المعاصي والذنوب، وملذّات الحياة وشهواتها، وتعويد النفس على رفضها، وسهولة تركها.
تعويد النفس على الصبر والتحمُّل؛ بالصبر على أداء العبادات والطاعات.
نَيل الأجر العظيم المُترتّب على أداء العبادات والطاعات، وبذل الجُهد في التقرُّب من الله -تعالى-.
زيارة بيت الله؛ فالمُعتكف في المسجد ينال شرف المكوث في بيت الله -تعالى-، قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (المسجِدُ بيتُ كلِّ تقيٍّ وتَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَن كانَ المسجِدُ بيتَهُ بالرَّوحِ والرَّحمةِ والجوازِ على الصِّراطِ إلى رِضوانِ اللَّهِ إلى الجنَّةِ).
إحياء السُّنَن النبويّة الواردة عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-. إحياء ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنِّي اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوَّلَ، أَلْتَمِسُ هذِه اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ العَشْرَ الأوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ، فقِيلَ لِي: إنَّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، فمَن أَحَبَّ مِنكُم أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ فَاعْتَكَفَ النَّاسُ معهُ).
الحرص على إشغال العقل بالتفكُّر، والتأمُّل.
معجزات الرسل
المُعجزة
اصطلاحاً يمكن تعريف المُعجِزة في الاصطلاح بأنّها (أمر خارق للعادة، يظهره الله على يد مُدّعي النبوّة؛ تصديقاً له في دعواه، مقرونة بالتحدّي مع عدم المعارضة)، وتتميّز المُعجِزة عن باقي الأمور الخارقة بأنّها يجب أن تكون خارقةً للعادات، والقوانين الكونيّة الثابتة المُتعارف عليها بين الناس عموماً، ومن ذلك ما جاء على أيدي أنبياء الله عليهم السّلام، ومنها مثلاً عدم إحراق النار مع أنّها في العادة تحرق ما يصيبها، وإحياء الموتى الذين في العادة لا يحيون بعد الموت، وتحويل العصا إلى حيّة تتحرك، مع أنّ الجمادات والعصيّ في العادة لا تتحرّك.
مُعجِزات الأنبياء والرُّسل
لكلّ نبيٍّ من أنبياء الله أو رسولٍ من رُسُله مُعجزة على الأقلّ يتميز بها، وقد جاء ذكر بعض مُعجِزات الأنبياء في كتاب الله، بينما ذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعضها الآخر في أقواله التي صحّت نسبتها إليه، أمّا باقي مُعجِزات الأنبياء التي لم يأتِ لها ذكرٌ في كتاب الله وسنة رسوله، فقد نُقِلت إلينا عن أنبياء الله بالتناقل والرواية حتى بلغت حدّ الشهرة، أما أبرز المُعجِزات التي تفرَّد بها بعض الأنبياء فمنها ما سيأتي بيانه في الفقرات الآتية:
مُعجِزة نوح عليه السّلام
بعد أن دعا نوح -عليه السّلام- قومه إلى الإيمان بالله ولم يؤمنوا به -رغم أنّه أطال العهد فيهم- حينها أمره الله -سبحانه وتعالى- بصنع سفينةٍ ليحمل فيها مَن آمن معه، وقد كانت تلك السفينة من المُعجِزات التي أعطاها الله سبحانه وتعالى لنوح عليه السّلام؛ حيث كانت في حينها سابقةً لم يشهد لها الناس مثيلاً، كما أنّ لها من الخصائص ما يميّزها عن غيرها من السُّفن التي جاءت بعدها، فكيف لسفينة مثلها أن تسير في البحر تتلاطمها الأمواج دون أن تتحطّم أو تغرق، وتنجو بمن عليها من البشر والدّواب! قال تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ)،ومن إعجاز تلك السفينة كذلك أنّ جميع من لم يركب فيها أغرقه الطوفان حتّى لو التجأ إلى مكانٍ بعيد اعتقد أنه سُينجيه من الطوفان، فلم ينجُ إلا من ركب السفينة ممّن آمن من قوم نوح عليه السّلام، وذلك بحدِّ ذاته إعجازٌ منقطع النظير لا يمكن تخيُّله أو حتى تصوّر الميزات التي احتوتها تلك السفينة، حتّى جعلتها غير قابلة للتحطّم أو الغرق، مع أنّها مصنوعةٌ من الأخشاب.
مُعجِزة صالح عليه السّلام
تميّز نبي الله صالح -عليه السّلام- بمُعجِزةٍ لم يُعطَ أحدٌ غيره من الناس مثلها، كغيره من أنبياء الله الذين آتاهم الله ممّا عنده من الأمور الخارقة للعادات، فقد أيّد الله -سبحانه وتعالى- نبيّه صالحاً بناقة؛ أخرجها الله لقوم صالح من الصّخر، بعد أن طلبوا منه ذلك حتى يصدّق نبوّته وما جاءهم به من عند الله، ورغم أنّ مجرد إخراج الناقة من صخرة صمّاء يُعدّ مُعجِزةً بحدّ ذاتها إلا إن تلك الناقة كانت في جميع تفاصيلها مُعجزةً؛ حيث كان من إعجازها أن خُصِّص لها شرب يوم من النبع الذي يشرب منه قوم صالح، فتشرب بقدر ما يشرب قوم صالح جميعهم، بينما كان لقومه شرب يومٍ آخر غير يوم شرب الناقة، وكان من إعجازها كذلك أن تعطيهم يوم شربها لبناً ليشربوه بقدر ما أخذت من نبعهم فيكفيهم ذلك اليوم، حتّى عقرها أحدهم بعد مؤامرةٍ دبّرها القوم لأجل ذلك، فعذّبهم الله بفعلتهم.
مُعجِزة سيّدنا إبراهيم عليه السّلام
بعد أن دعا سيّدنا إبراهيم -عليه السّلام- قومه إلى عبادة الله وترك ما كانوا يعبدون من الأصنام، وحاجَجَهم لأجل ذلك بكل الوسائل والسُّبل، كذّبوه وآذوه، فحطّم أصنامهم ليُثبت لهم ضعفها وقلّة حيلتها، وأنها مجرّد حجارة لا تضرّ ولا تنفع، فلمّا عجز القوم عن دفع حجج إبراهيم الكثيرة والتي توافق جميعها المنطق وتخالف ما يعتقدون، حينها أجمعوا على حرقه بالنار حتى لا تتضرّر آلهتهم التي أصبح إبراهيم يُهدّدها بدعوته الحقة، قال تعالى في وصف حالهم: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ*قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ).
ولحرق سيّدنا إبراهيم عليه السّلام، جمع قوم إبراهيم حطباً كثيراً، ثمّ جعلوا ذلك الحطب في حفرة عميقةٍ من الأرض، وأشعلوا النار فيها، فكان لهيبها مرتفعاً جداً، وشررُها من عِظمه يتطاير، ثمّ وضعوا إبراهيم -عليه السّلام- في منجنيقٍ؛ مخافة أن يصيبهم شررها أو حرُّها الشديد، وألقوه في النار، فقال حينها: (حسبي الله ونعم الوكيل)، وقد أتاه جبريل وهو في الهواء، فقال له: (ألك حاجة؟ فقال: أمَّا إليك فلا، وأمّا من الله فبلى)، حينها جاءت المُعجِزة الإلهيّة لإبراهيم بقول الله تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ)،فلم تحرقه تلك النار على عِظَمها وشدّة حرِّها، ولم تحرق سوى وَثاقِه الذي ربطوه به، فكانت تلك المُعجِزة خرقاً لجميع الأعراف والعادات؛ إذ إنّ من الطبيعي أن تحرق النار جميع ما تلمسه أو تقترب منه، لكنها لم تؤذِ إبراهيم مجرّد إيذاء.
مُعجِزات سيّدنا موسى عليه السّلام
مُعجِزات نبيّ الله موسى -عليه السّلام- كثيرةٌ متعددة، بل إنّها أكثر من أن تُذكر، وذلك لكونه اُرسل إلى قومٍ معروفين بقوّة سحرهم، والتَّحكم بالأبصار، والتلاعب بعقول الناس، لذلك كانت مُعجِزاته تتلاءم مع القوم الذين اُرسل إليهم، أمّا أهمُّ مُعجِزات موسى عليه السّلام، فمنها ما يأتي:[٧] مُعجِزة العصا: هي أبرز مُعجِزاته على الإطلاق؛ حيث كان فيها العديد من الميزات، فقد تحوّلت إلى حيّة تسعى، فتوهّم من يراها أنّها كائنٌ حيّ، كما تحولت إلى حيّة ابتلعت عصيَّ قوم فرعون وحبالهم؛ لمّا جرى بينهم وبين موسى التنافس. مُعجِزة يد موسى: كانت تنقلب يد موسى -عليه السّلام- إلى بيضاء لا سوء فيها بمجرد أن يدخلها في جيبه، وقد حصل ذلك عندما ذهب إلى فرعون يدعوه إلى الإيمان بالله. مُعجِزة انفلاق البحر: لما فرَّ موسى ومن معه من فرعون وجنده، ضرب موسى بعصاه البحر فانفلق إلى فلقتين، وتشكّل لهم فيه طريقٌ، فاستطاعوا النجاة من فرعون وجنده.
مُعجِزة الرّجز(العذاب): أنزل الله -سبحانه وتعالى- الرجز والعذاب بشتّى الأصناف على قوم فرعون؛ ليؤمنوا بموسى، وقد تنوّعت مُعجِزات الرجز، فمرّةً يأخذهم بالقحط والجدب، ومرّة بالدّم، ومرة يبعث إليهم الجراد والقُمَّل والضفادع، وغير ذلك من الآيات والمُعجِزات.
مُعجِزات سيّدنا عيسى عليه السّلام
مُعجِزات نبي الله عيسى كذلك كثيرة، ولعلَّ أظهرها وأهمَّها على الإطلاق مولده بلا أبٍ وكلامه في المهد ليُخبر الناس بصدق قول أمّه مريم، ويبلغهم أنّه نبيّ الله إليهم، ومن مُعجِزاته أنّه كان يصنع من الطين طيراً ثمّ ينفخ فيه فيطير بأمر الله، وأنه كان يُبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويُنبئ الناس بما يدّخرون في بيوتهم، كما كان عيسى -عليه السّلام- يُحيي الموتى بأمر الله
مُعجِزات سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام
إنّ معحزات نبيّ الله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- تربو على الألف كما يقول الإمام ابن قيم الجوزيّة، أمّا أعظم تلك المُعجِزات على الإطلاق فهي القرآن الكريم، وهو كلام الله التي تحدى الله بها قريش وهم أهل الفصاحة والبلاغة، فعجزوا عن الإتيان ولو بسورةٍ من مثل القرآن أو أدنى من ذلك، ومن مُعجِزات رسول الله ما حصل وانتهى، ومنها ما حصل وما زال باقياً حتى يشاء الله، فالقرآن العظيم مُعجِزة الله الخالدة والآية الباقية الدائمة، فلا يمكن أن يتغير أو يتبدَّل، أما مُعجِزات رسول الله التي انتهت فمنها:ما جرى في حادثة الإسراء والمعراج، وفي هذه الحادثة وحدها عددٌ من المُعجِزات. انشقاق القمر. تكثير القليل من الطعام بين يدي المصطفى صلّى الله عليه وسلّم. أن ينبع الماء من بين أصابعه؛ حتى يشرب منه الجيش. حنين الجذع إليه بعد أن فارقه وانتقل إلى المنبر. سلام الحجر عليه في مكة. شفاء المرضى بإذن الله تعالى.
صدقة لي ولك😉
الجزء الثالث من مسابقة رمضان طريقي للجنان
شروط الجزء الثالث والاخير للمسابقة ( رمضان طريقي للجنان)
1- قراءة اذكار الصباح والمساء والنوم
2_ حفظ اول او اخر 10 ايات من سورة الكهف (لتعصمكم من فتنة الدجال)
3_قراءة سورة الملك كل يوم قبل النوم ( المنجية من عذاب القبز)
يجب تطبيق الشروط جميعها
المدة: من 21 رمضان الى نهاية رمضان
الهدية
افطار صائم
هدية الجزء الثاني من مسابقة رمضان طريقي للجنان
هذه الهدية الثانية للمسابقة
مسابقة رمضان طريقي للجنان (الجزء الثاني)
الجزء الثاني من مسابقة رمضان طريقي للجنان
من طبق شروط المسابقة لهم نصيب منها
من هم أولي العزم من الرسل
الأنبياء والرسل اختار الله -تعالى- من ذريّة آدم -عليه السلام- أنبياءً ورسلاً، وأمّا الفرق بين النبي والرسول ففيه قولان: الأول أنّ الرسول من بُعث برسالةٍ جديدةٍ ليبلّغها، وأمّا النبي فهو من بُعث مؤكّداً لرسالة من سبقه من الرسل، وأمّا القول الثاني فهو: أنّ النبي من أوحى إليه الله تعالى، ولم يأمره بتبليغ الرسالة، في حين أنّ الرسول من أوحى إليه الله تعالى برسالةٍ، وأمره بتبليغها، والقول الثاني هو الأرجح.
أولو العزم من الرسل ثمّة أقوالٍ عديدةٍ في تحديد أولي العزم من الرسل، وأصحّها أنّهم خمسة أنبياءٍ، وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام جميعاً، وفيما يأتي نبذةٌ عن أولي العزم من الرسل
نوح عليه السلام
كان قوم نوح -عليه السلام- عبّاد أصنامٍ، فبعثه الله -تعالى- ليدعوهم للتوحيد، ونبذ الشرك، كما قال الله تعالى: (لَقَد أَرسَلنا نوحًا إِلى قَومِهِ فَقالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ إِنّي أَخافُ عَلَيكُم عَذابَ يَومٍ عَظيمٍ)، ولكنّ قومه طغوا، وتكبّروا، وتمرّدوا، واستمرّت دعوة نوح عليه السلام لقومه تسعمئةٍ وخمسين سنةٍ، دون أي استجابةٍ من قومه الذين كذّبوه، وأنكروا نبوّته، وفي المقابل لم يترك نوح -عليه السلام- وسيلةً للدعوة إلّا اتبعها، حيث دعا قومه سرّاً وجهراً، وليلاً ونهاراً، فآمن معه قلّةٌ من المستضعفين، وأمّا الكبراء وسادة القوم فقد كذّبوه، وسخروا منه، واتهموه بالجنون، وحاولوا صدّه عن دعوته، وهدّدوه بالرجم إن لم يتوقّف عن الدعوة، مصداقاً لقول الله تعالى: (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ)، وبعد زيادة الأذى من قبل قوم نوح لنبيهم ومن آمن معه، وتهديدهم بالقتل، دعا نوح الله أن يهلكهم، فاستجاب له، وأهلك القوم الكافرين بالطوفان، ونجى نوح، ومن معه على متن السفينة التي أمر الله تعالى ببنائها.
إبراهيم عليه السلام
كان قوم إبراهيم -عليه السلام- يشركون بالله، ويعبدون الأصنام من دونه، فأرسل إليهم نبيه إبراهيم -عليه السلام- ليدعوهم إلى التوحيد، وترك عبادة الأصنام، كما قال الله تعالى: (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)، وقد حاول إبراهيم -عليه السلام- مراراً وتكراراً تخليص قومه من الأساطير، والخرافات، وتحذيرهم من الانقياد لغيرهم من غير تفكيرٍ كالبهائم، وبيّن لهم أنّ العبادة الحقّ هي عبادة الله وحده لا شريك له، وكان والد إبراهيم -عليه السلام- من عبدة الأصنام، فخصّه بالنصح حيث قال له: (يا أَبَتِ لِمَ تَعبُدُ ما لا يَسمَعُ وَلا يُبصِرُ وَلا يُغني عَنكَ شَيئًا*يا أَبَتِ إِنّي قَد جاءَني مِنَ العِلمِ ما لَم يَأتِكَ فَاتَّبِعني أَهدِكَ صِراطًا سَوِيًّا)،ولكنّ والده لم يقبل دعوته، بل هدّده بالهجر والرجم، فاعتزله إبراهيم عليه السلام، ولكن بقي يستغفر الله له، ويدعو له بالهداية حتى تبيّن له أن والده عدوٌ لله تبرأ منه، ولم يعد يستغفر له، وبعد أن أصرّ قومه على عبادة الأصنام عزم على بيان البرهان العملي بأنّ أصنامهم لا تضرّ ولا تنفع، وفي أحد الأيام وفي غفلةٍ من قومه قام بتحطيم أصنامهم إلّا الصنم الكبير، لكي يسأله قومه عن الفاعل، ولمّا رجع القوم من عيدهم، وجدوا أصنامهم محطمةً، فاتّهموا إبراهيم -عليه السلام- بتحطيمها، فقال لهم: (بَل فَعَلَهُ كَبيرُهُم هـذا فَاسأَلوهُم إِن كانوا يَنطِقونَ)،فرجعوا إلى أنفسهم، وتفكّروا بالأمر وعلموا أنّ تلك الأصنام لا تتكلّم، ولا تضرّ، ولا تنفع، فقالوا لإبراهيم: (لَقَد عَلِمتَ ما هـؤُلاءِ يَنطِقونَ)،وفي تلك اللحظة، وبعد أن اعترفوا بعجز أصنامهم، وانقطعت حجّتهم قرّروا استخدام القوة المُفرطة، فقالوا: (حَرِّقوهُ وَانصُروا آلِهَتَكُم إِن كُنتُم فاعِلينَ)، ثمّ أعدّوا لحرق إبراهيم ناراً عظيمةً، وألقوه فيها، فما كان منه إلّا أن قال: (حسبي الله ونعم الوكيل)، فنجّاه الله تعالى من تلك النار، حيث جعلها عليه برداً وسلاماً، وأبطل كيد الكافرين.
موسى عليه السلام
هو نبيٌّ من أنبياء بني إسرائيل، بعثه الله تعالى إلى فرعون وقومه؛ لينقذ بني إسرائيل من استعباد فرعون وظلمه، وأيّده الله تعالى بالعديد من المعجزات، فكان إذا ألقى عصاه أصبحت حيّةً تسعى، وإذا أدخل يده في جيبه أخرجها بيضاء، فذهب بتلك المعجزات إلى فرعون، ولكنّه كذّب وطغى، واتهم موسى -عليه السلام- بالسحر، ثمّ جمع له السحرة، وحصل بينهم وبين موسى -عليه السلام- لقاء أمام الناس جميعاً في يوم الزينة، حيث ألقى السحرة حبالهم وعصيّهم، ولكنّ الله تعالى نصر موسى، فآمن السحرة وسجدوا لله تعالى، فغضب فرعون لذلك، فأمر بصلبهم، وتقطيع أيديهم وأرجلهم، فصبروا على ما وجدوا من العذاب، حتى توفّاهم الله مسلمين، ووصلت الأخبار إلى موسى -عليه السلام- بأنّ فرعون وحاشيته يأتمرون لقتله، وجاء أمر الله تعالى لموسى ومن آمن معه من بني إسرائيل بالخروج من أرضهم، فخرجوا ولحقهم فرعون حتى أدركهم عند شاطئ البحر الأحمر، ولكنّ الله تعالى أنجى موسى وبني إسرائيل، وأغرق فرعون وجنوده.
عيسى عليه السلام
كانت ولادة عيسى -عليه السلام- معجزةً بحدّ ذاتها، فقد وُلد من غير أبٍ، وكان ذلك عندما بشرت الملائكة أمّه مريم العذراء بولادته، ونبوته، وعظم شأنه، ثمّ جاء جبريل عليه السلام، ونفخ في جيب درعها، فحملت به، وبعد أن وضعته، أمرها ربها -عزّ وجلّ- ألّا تكلّم أحداً، فعادت إلى قومها تحمله، فلمّا رأوها تحمله استهجنوا الأمر، وأنكروا عليها، فلم تكلّمهم، وأشارت إلى الطفل الذي لا زال في المهد، أن اسألوه يجيبكم، فأجابهم عيسى -عليه السلام- قائلاً: (قالَ إِنّي عَبدُ اللَّـهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَني نَبِيًّا*وَجَعَلَني مُبارَكًا أَينَ ما كُنتُ وَأَوصاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمتُ حَيًّا)،
وهكذا كانت قصة ولادته، ثمّ بعثه الله تعالى ليدعو بني إسرائيل لتوحيد الله تعالى، والعمل بما جاء في التوراة والإنجيل، وأيّده بمعجزاتٍ عديدةٍ، فكان يحيي الموتى بإذن الله، ويشفي الأبرص والأكمه، ويخلق من الطين كهيئة الطير فيكون طيراً بإذن الله، ولمّا شعرعيسى -عليه السلام- إصرارهم على الكفر، قال: من أنصاري إلى الله، فآمن به الحواريون، وعددهم اثنا عشر رجلاً، وفي تلك الأثناء قام اليهود بتدبير مكيدةٍ لقتل عيسى عليه السلام، حيث حرّضوا الرومان، وأوهموا ملكهم أنّ دعوته خطر على ملك الروم، فقرّروا القبض عليه، وصلبه حتى الموت، ولكنّ الله تعالى ألقى شبه عيسى -عليه السلام- على الرجل المنافق الذي دلّ على مكانه فأخذوه وصلبوه، ورفع الله عيسى إليه، ونجّاه من القتل.
محمد صلّى الله عليه وسلّم
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، خاتم الأنبياء والمرسلين، مصداقاً لقول الله تعالى: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)
وُلد في مكة المكرمة، وبعثه الله تعالى إلى الناس كافةً؛ ليخرجهم من الظلمات إلى النور، فدعا الناس في مكة إلى توحيد الله تعالى ثلاثة عشر عاماً، فآمن معه قلّةٌ من المستضعفين، فعُذّبوا في سبيل الله، وأذاهم المشركون أشدّ الإيذاء، حتى أمرهم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالهجرة إلى المدينة المنورة، فخرجوا جماعاتٍ متفرقةً من مكّة، ولم يبق فيها إلّا رسول الله، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، وفي تلك الأثناء اجتمع زعماء قريش، وقرّروا قتل النبي عليه الصلاة والسلام، فأمره الله تعالى بالخروج، فخرج مهاجراً إلى المدينة وبصحبته أبي بكر، وهناك فتح الله على المسلمين، وقويت شوكتهم، وانتشرت دعوة الإسلام إلى أن فُتحت مكة المكرمة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً
من هو صاحب سر الرسول صلى الله عليه وسلم
برز من بين صحابة رسول الله عليه الصّلاة والسّلام رجلٌ قلّ نظيره ووجوده بين الرّجال؛ فهو رجلٌ اتّصف بصفات الكتمان والحرص على الأسرار والأمانة الشّديدة التي أهّلته بجدارة واستحقاق أن يظفر بلقب صاحب سر رسول الله عليه الصّلاة والسّلام، وإنّ معنى أن يسرّ النّبي الكريم إلى أحدٍ من أصحابه سرًّا فهذا يعني توسّم النّبي ويقينه بهذه الشّخصية العظيمة التي لا يمكن أن تبوح يومًا بسرٍ من الأسرار، فمن هو هذا الصّحابي الجليل؟ وما هي أبرز محطّات حياته؟
مولد ونشأة حذيفة بن اليمان
ولد الصّحابي الجليل حذيفة بن اليمان في مكّة المكرّمة ولم يعرف على التّحديد سنة مولده فيها، وقد كان أبوه حسل أو حسيل بن جابر أحد الصّحابة الذين بايعوا رسول الله عليه الصّلاة والسّلام، وقد كان حسيل مقيمًا في مكّة المكرّمة ولكن حصل بينه وبين رجلٍ شجار فقتله، فلجأ حسيل إلى المدينة المنوّرة حيث سكن بين بني عبد الأشهل وتزوّج منهم أم حذيفة واسمها الرّباب التي كانت أيضًا ممّن بايع النّبي عليه الصّلاة والسّلام قبل مجيئه إلى المدينة المنوّرة، وقد كان حذيفة بن اليمان يَعتبر نفسه من المهاجرين والأنصار لأنّه ولد في مكّة وكان من ذرّية من بايع النّبي في المدينة .
حذيفة صاحب السّر
كان حذيفة بن اليمان مقرّبًا من النّبي عليه الصّلاة والسّلام حتّى أنّ النّبي أسرّ له يومًا بأسماء جميع المنافقين في المدينة المنوّرة ولم يسرّها إلى أحدٍ من صحابته فسمّي حذيفة لذلك صاحب سر رسول الله، وقد بقي حذيفة محافظًا على هذا السّرّ ولم يخبر أحدًا بأيّ اسمٍ من أسماء المنافقين حتّى توفي رضي الله عنه وأرضاه، وقد كان سيّدنا عمر رضي الله عنه يتتبّعه حينما يريد الصّلاة على الرّجال فإذا وجده قد أتى ليصلّي على أحدهم صلّى، وإن رآه تخلّف عن الصّلاة تخلّف، كما طلب الفاروق منه مرّةً أن يخبره فيما إذا كان في عمّاله أحد من المنافقين فيأبى حذيفة أن يفشي سرّ رسول الله له، وقد ألحّ عمر يومًا عليه بقوله أنشدك الله أذكرني الله في المنافقين، ولما رأى حذيفة حرصه وخشي عليه قال له، لا ، ولا أقولها لأحدٍ من بعدك .
مواقف حذيفة بن اليمان
كانت لحذيفة بن اليمان الكثير من المواقف التي تدلّ على بطولته وشجاعته وأمانته؛ ففي غزوة أحد رأى أحد المسلمين يقتل أباه خطأ فلم يزد على أن يقول لهم، يغفر الله لكم إنّه هو الغفور الرّحيم، كما شارك في المعارك كلّها ما عدا بدر لعذرٍ له، وقد تولّى المدائن في عهد عمر حتّى وفاته سنة ستّة وثلاثين للهجرة
من هو حواري الرسول
الزبير حواري الرسول
برز الصّحابي الجليل الزّبير بن العوام رضي الله عنه من بين صحابة رسول الله عليه الصّلاة والسّلام كواحدٍ من أشجع الصّحابة وأمهرهم في الفروسيّة والقتال، ولقد اشتهر رضي الله عنه بلقب حواري رسول الله،
فلماذا لقّب الزّبير بن العوّام بهذا اللّقب ؟
وما هي أبرز معالم سيرته ؟
مولد الزبير
ولد الزّبير بن العوّام رضي الله عنه في السّنة الثّامنة والعشرين للهجرة النّبويّة الشّريفة في المدينة المنوّرة، ووالده هو العوّام بن خويلد بن أسد أخو السّيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها زوجة النّبي الكريم، ووالدة الزّبير هي صفيّة بنت عبد المطلب عمّة الرّسول الكريم.
قد تزوّج الزّبير بن العوّام من السّيدة أسماء بنت أبي بكر الصّديق رضي الله عنه، التي اشتهرت بلقب ذات النّطاقين لأنّها كانت تحمل للنّبي الكريم، ولأبيها الطّعام حينما كانا مختبئين في غار ثور.
إسلام الزبير
أسلم الزّبير بن العوّام رضي الله عنه مبكّراً وهو ما يزال في سنّ الثّانية عشر، وقد تشرّب حبّ النّبي عليه الصّلاة والسّلام قلب الزّبير بن العوّام حتّى كان له مواقف كثيرة تدلّ على ذلك، حيث روي أنّه سمع يوماً شائعة بأنّ النّبي قد أُخذ، فحمل الزّبير سيفه وسلّه ليكون أوّل من يسلّ سيفاً في الإسلام، ثمّ ليخرج شاقاً صفوف الكفار حتّى وصل إلى النّبي الكريم، وهو في أعلى جبل مكّة المكرّمة فاطمأن قلبه حينما رآه سالماً معافىً.
بطولات الزبير
في غزوة الخندق كان للزّبير بن العوّام رضي الله عنه موقف مشهود حينما وقف النّبي عليه الصّلاة والسّلام على رؤوس المسلمين منتدباً أحداً منهم ليأتيه بخبر القوم، فقام الزّبير معلناً استعداده للقيام بهذه المهمّة ثلاث مرّات، فقال النّبي الكريم: إنّ لكلّ نبيّ حوارياً، وإنّ حواريي الزّبير بن العوّام.
أما في غزوة خيبر فقد شارك الزّبير بن العوام ببسالة في المعارك ضدّ اليهود، فبارز ياسر اليهودي أخا مرحب اليهودي فقتله، وفي عهد الخليفة الرّاشد عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أرسل الزّبير بن العوّام على رأس مددٍ لجيش عمرو بن العاص الذي اتّجه إلى مصر لفتحها، حيث كان لهذا المدد الأثر الكبير في تعجيل النّصر للمسلمين على أعدائهم .